artman
عدد المساهمات : 17 تاريخ التسجيل : 26/08/2009
| موضوع: المسرح والترفيه الخميس 12 أغسطس 2010, 9:34 pm | |
| عند ذكر كلمة "مسرح" نفكر في نوع خاص من
الترفيه، أو في مبنى معين مُعد ومجهز لتقديم هذا النوع من الترفيه. ويأمل
البعض في قضاء وقت ممتع مع الضحك، أو قصة شيقة للهروب من مشقة اليوم.
والمسرح، مثله مثل كافة الفنون، ترجع نشأته إلى السحر، أي إلى محاولة
التأثير على الطبيعة بقوة إرادة الإنسان، وإحالة الأفكار إلى أشياء.
كان المسرح وما يزال هو النقطة التي يبدأ
منها، عادة، انطلاق الشرارة نحو الثقافة والتطور والمساعدة في تطوير
المجتمعات، والوصول إلى حال أفضل. وعلى مر الأزمان خضع للتحوير والتشكيل
سواء كان ذلك في شكل خشبته، أم في شكل العروض التي تمثل داخله، بل إن دور
التمثيل نفسها كانت موضعاً للتغيير والتبديل، فقدم الأدب المسرحي في
الميادين، وخارج المعابد، وداخل الكنائس، ومرّ بمراحل كثيرة حتى أقيمت له
دور التمثيل الحالية.
وفي الأزمنة الأولى من المسرح كان كل فرد
ممثلاً، ولا تفرقة بين الممثل وبقية القبيلة، والدنيا هي المسرح. وكانت
منصة التمثيل مكاناً مقدساً، وكان الحاضرون نوعين: مؤدين ومريدين. وبعد
ذلك كانت المنصة هي المسرح، ولا يفصل بين الممثلين والنظارة سوى خليج
مجازي معنوي، يصبح أخيراً خليجاً مادياً محسوساً. وأخيراً أصبح يفصل بين
الممثل ومشاهديه آلاف الأميال.
وبين بداية المسرح وما انتهى إليه شبه غريب،
من حيث إن مكان التمثيل هو الدنيا. وتطورت الدراما تطوراً جبرياً في عدة
مراحل، ويمكن أن يطلق عليها التاريخ الطبيعي للدراما، وهذه المراحل هي:
الدراما بوصفها سحراً، والدراما بوصفها ديناً، والدراما بوصفها زخرفة،
والدراما بوصفها أدباً، والدراما بوصفها علماً.
وفنون المسرح فنون متكاملة، وبالأحرى فنون
يكمل بعضها بعضاً، وليس منها فن يمكن أن يقوم بنفسه، بحيث لا تربطه ببقية
الفنون المسرحية الأخرى رابطة أو وشيجة، ومن ثم لا بد لمن يدرس أحد هذه
الفنون، أن يلم إلماماً كافياً ببقية الفنون المسرحية الأخرى. فالممثل يجب
أن يتعرف بعمق على تاريخ المسرح، منذ أن نشأ قبل العصور التاريخية حتى
اليوم. وتاريخ المسرح يشمل نشأة التمثيل، منذ أن كان رقصاً بدائياً،
وإنشاداً دينياً، ثم تطوره بعد ذلك مع تطور الأغنية الإنشادية الراقصة،
ومصاحبة الموسيقى ودق الطبول لها، حتى ظهرت المسرحية، التي حوّلت نواة هذه
الأغنية، التي كان البدائيون يتعبدون بها، لخالق الكون المحيط بكل شيء.
وإذا كان الممثل في حاجة إلى تلك المعرفة
ببدايات فكرة المسرح ليجيد تمثيله، فالمخرج أشد حاجة منه؛ لأنه المهندس
المسرحي الأكبر، الذي يرسم كل شيء، ويضع لكل حركة تقديرها.
إن الثقافة المسرحية الواسعة، تؤدي إلى فن
مسرحي عظيم. وقد كان أعظم الكتاب المسرحيين في تاريخ المسرح، هم أولئك
الكتاب الذين شبوا في كنف المسرح، وتربوا في أحضانه، ونهلوا من موارده
مباشرة. كان أولئك يكتبون وفي بالهم ظروف مسارحهم وإمكاناتها وفي حسبانهم
كل صغيرة وكبيرة، مما يمكن تنفيذه لما يدور في أذهانهم، وتخطه أقلامهم.
ما سبق يسّر مهمة المخرج، والممثل، ومصمم الديكور، ومهندس الإضاءة، بل يسّر مهمة عمال الأثاث، ومغيرو المناظر.
إن المسرحية أو الدراما، من الرقص البدائي
إلى التمثيلية الحديثة، ومن الطقوس الدينية إلى التمثيل الدنيوي، ومن
المأساة اليونانية إلى "الصور المتحركة"، كل ذلك في مظاهره المربكة
المحيرة يسجل تعريفاً عن "المسرح" وعن "المسرحية" أو "الدراما". لذلك لا
يمكن الاهتداء إلى تعريف محدد للمسرح الذي هو ملتقى كل الفنون.
وقد ألف المؤلفون وترجم المترجمون كتباً
كثيرة في كل موضوعات المسرح على حده "الإخراج والتمثيل، والإضاءة،
والديكور، الخ"، ومن ثم كانت كتباً لا ينتفع بها إلا المتخصص في أي فرع
منها، وحتى هذا المتخصص لا يكاد ينتفع بما يجده في كتابه هذا، إلا إذا
أقام الصلة بين الفرع الذي يدرسه من فروع الفن المسرحي وسائر هذه الفروع.
يأتي الرقص في المرتبة الأولى مباشرة بعد ما
تؤديه الشعوب البدائية من الأعمال التي تضمن لها حاجاتها الضرورية المادية
من طعام ومسكن.
والرقص أقدم الوسائل التي كان الناس يعبرون
بها عن انفعالاتهم، ومن ثم كان الخطوة الأولى نحو الفنون، بل إن الإنسان
المتحضر في الزمن الحديث بالرغم من النواهي والمحظورات التي يتلقنها، وروح
التحفظ التي يشب عليها، يعبر عن انفعالاته المفرحة بطريقة غريزية،
والإنسان البدائي، بالرغم من فقر وسائله التعبيرية، وقلة محصوله من أوليات
الكلمات المنطوقة، كانت وسيلته الشائعة في التعبير عن أعمق مشاعره هي
الحركة الرتيبة الموزونة. وإذا كان القمر والشمس يطلعان ويغربان في نظام
ثابت، وكانت ضربات قلبه ضربات إيقاعية، فقد كان طبيعياً لهذا السبب أن
يبتكر الحركة الإيقاعية يعكس بها ما يخامره من فرح وبهجة.
وكان هذا الإنسان البدائي يرقص بدافع
المسرة، ولكون الرقص طقساً دينياً فهو يتحدث إلى آلهته بلغة الرقص، ويصلي
لهم ويشكرهم، ويثني عليهم بحركاته الراقصة، وإذ لم تكن هذه الحركات شيئاً
مسرحياً مؤثراً أو تمثيلياً، إلا أن حركته المرسومة ذات الخطة كانت تنطوي
على نواة المسرحية أو بذرة المسرح.
| |
|