المسرح
بشكله الحالي وبتقاناته وجمالياته المعاصرة وبشروطه (الخشبة -النص -
الممثّل - الإخراج - الأزياء - الديكور - الموسيقا - الصوت-
المتلقّي...إلخ) جنس وافد منذ منتصف القرن الماضي، وقدتناولته دراسات
مختلفة، أو تناولت أجزاء منه أو موضوعات خاصة، كفنّ التمثيل وفنّ الإخراج
والديكور والعرض وزمن العرض واللغة والحوار والشخصية، ويمكن العودة إلى
المعاجم المسرحية في هذه الأمور.
[size=12]إنّ
هذه الدراسة لاتتناول المسرح، فله دارسوه وعارفوه والمختصون به، ولكنّها
تتناول المسرحية أو النّص المسرحي بصفته نصًّا قابلاً للعرض على الخشبة،
ولذلك فإننا هنا نفصل بين مصطلحي "المسرحية" و"المسرح" فإذا صدفنا عن
الثاني فإن المصطلح الأول ـ"المسرحيةـ" هو مجال اهتمامنا سواء كانت شعرية
أم نثرية، ثم إننا نفصل في هذه الدراسة بين المسرحية المكتوبة بالفصحى وبين
المسرحية المكتوبة بلهجة عامية، وينصبّ اهتمامنا على الأولى دون الثانية،
وإن نضطّر في بعض المراحل التاريخية لأن نذكرها لدورها في تطور كتابة النص
المسرحي.
[size=12]وينبغي
لنا- هنا- أن نفرّق بين المسرحية والمسرح والنص الدرامي والشعر المسرحي
والمسرح الشعري، فالمسرحية نعني بها النص المسرحي القابل لأن يُمثّل، ونعني
بالمسرح النص المسرحي ممثّلاً على خشبة ومعروضاً على جمهور بتقانة المسرح
وشروطه، ونعني بالنص الدرامي النص الذي ليس من الضرورة أنه قابل لأن يمثّل،
أما الشعر المسرحي فهو النص المكتوب شعراً، ولكنّ الغنائية فيه تهيمن على
الحوار والصراع والبناء الدرامي، والمسرح الشعري نعني به النص المكتوب
شعراً، وهو قابل للتمثيل لأن البناء الدرامي فيه يهيمن على العناصر
الغنائية ويسيّرها لمصلحة التمثيل.
[size=12]وثمة
قضية أخرى لابدّ من التنبيه عليها قبل الدخول في الدراسة، وهي تتعلّق
بمصطلح "المسرحية"، فقد مرّ هذا المصطلح بتطورات، فأطلق عليه اسم "الرواية"
حتى وقت متأخر "أعمال أحمد شوقي"، ولتفريق هذا المصطلح عن الرواية السردية
أضيفت في البدايات كلمة "تشخيصية" أو "تمثيلية"، فأصبح المصطلح من كلمتين
"رواية تشخيصية" أو "رواية تمثيلية"، بل إن رواد المسرح كالنقاش والقباني
وسواهما أدركوا هذه القضية، فأضافوا عدّة صفات إلى العنوان ليشتمل على
ماتحته، فقد أضاف أبو خليل القباني -مثلاً- إلى عنوانه رواية "هارون الرشيد
مع الأمير غانم وقوت القلوب" عبارة "وهي تاريخية غرامية أدبية تلحينية
تشخيصية ذات خمسة فصول"، وفعل الرواد مثل هذا الفعل، ثمّ استُخدمت كلمة
"تياترو" للدلالة على المسرحية والمسرح، وفي بيروت مسرح قديم تحوّل إلى دار
للسينما، وظلّ يُطلق عليه " التياترو الكبير"، ويُطلق المغاربة على خشبة
المسرح "الركح" وهو الساحة، والمهمّ في ذلك كلّه أننا نُطلق في هذه الدراسة
مصطلح "المسرحية" على النّص توحيداً للمصطلح في الدراسة.
[size=12]أما
المنهج الذي ارتأيناه فهو المنهج التحليلي، وخاصة في دراسة النصوص
والتنظير، ولكننا لم نهمل المنهج التاريخي (التطوري) لبيان تطور المسرحية
العربية، وكان لابدّ من العودة إلى مصادر ومراجع مختلفة، وقد عاد المؤلف
إلى دوريات مختلفة لأنها الأغنى في دراسة الأدب الحديث والمعاصر، وحاول أن
يتوقف طويلاً عند التحليل ليبيّن أهمية كلّ مرحلة على حدة.
[size=12]يتألف
هذا الكتاب من تمهيد وخمسة فصول، فقد كان لابدّ في التمهيد من الوقوف عند
أشكال ماقبل المسرح في التراث العربي لربط الحاضر بالماضي، وإن ثمّة إجماع
تقريبي على أن المسرحية جنس وافد، ولكنّ مادعا إلى هذا التمهيد هو أن
المسرح اليوم يعود في عمليات التأصيل والتأسيس إلى هذه الأشكال للاستفادة
منها، وكان الفصل الأول بعنوان "البدايات والريادة"، توقفت فيه عند ثلاثة
أعلام كان لهم دور فعّال في تأسيس المسرح العربي في بيروت ودمشق والقاهرة،
وحلّلت مسرحية مثالاًً على هذه المرحلة، وكان الفصل الثاني بعنوان
"المسرحية الشعرية والتقليدية" بيّنت فيه إخفاق الشعر المسرحي" وأسبابه،
وتوقفت في الفصل الثالث عند "المسرحية الشعرية المعاصرة"، وتحدثت عن
تقاناتها وخصائصها وعيوبها، وكان لابدّ من التوقف في الفصل الرابع عند
المسرحية في أدب توفيق الحكيم، وهو مؤسس المسرحية النثرية بجدارة، أما
الفصل الأخير فقد توقفت فيه عند المسرحية المعاصرة في سورية، ويمكننا أن
نسحب هذا الفصل مثلاً على تطور المسرحية المعاصرة في مصر ولبنان والعراق.